لماذا أحببت أن أمتلك (متجر)؟

 

الصورة مشهد من مسلسل جلسات نسائية


لا أعرف بالتحديد متى بدأت رغبتي في ممارسة (التجارة)، لكني أعرف يقينًا أن للأمر علاقة بمشهد امرأة تشعر بالبركة وتجلس لمراجعة فواتير الشراء، فرغم كوني مبذرة بعض الشيء، إلا أن مراجعة فواتير الشراء مع فنجان قهوة فور العودة للبيت من التسوق واحدًا من الأفعال الاعتيادية المفضلة لدي؛ في البداية كنت أقيس تغيراتي النفسية من خلال فواتير شراء المكياج أو البن أو الملابس التي توضح تفضيلي لنوع / متجر جديد عن آخر قديم مفضل، أو حتى نظرتي أنا الشخصية لمصطلحات (غالي الثمن/ الغالي ثمنه فيه/ الجودة أهم من التعدد)، ثم مع الثانية والعشرون أصبحت أراجع فواتير المشتروات المنزلية والغذائية، فأضفت لرغبتي في قياسي النفسي الخاص رغبة أخرى تتمثل في قياس المهم، وقياس الارتفاع في أسعار نفس السلعة بين شهرٍ وآخر، أو حتى معرفة إن كنت قد حصلت على خصومات وعروض، وربما عادة مراجعة الفواتير ببساطة فعل دافئ يذكرني بجدتي لوالدي، بيداها والثعبان الذهبي ذو العينين الحمراوين ملتفًا على معصمها؛ ممسكة بالفاتورة تراجعها مع فنجان قهوة تركية برائحة بن وهيل نفاذة تعبق كامل البيت، في النهاية أنا أكرر بشكلٍ ما تفاصيل ذاكرة طفولتي، أنا أُنفذ صورة ذهنية شخصية مقتبسة من أكثر صفات أو ملامح أحببتها في نساء عائلتي، وهذا ما يجعلني أشعر بنوع من المسؤولية تجاه ابنة أخي؛ وأي صورة ستحملها ذاكرتها عني، لهذا أجتهد لتراني جميلة، عمتي الوحيدة كانت جميلة وعلى كثرة ما أحببت جمالها وأنا طفلة على كثرة ما أصبحت نسخة مصغرة منها في شبابي.

في عام 2011 كان لقائي الأول بمسلسل جلسات نسائية، بعيدًا عن حبي الشديد للمسلسل الذي يجعل منه مهربًا وحلًا سحريًا لمتاعب الحياة وغرابة المواقف، فإن متجر نسرين طافش (هالة) في المسلسل كان بديعًا حد أنه سلب انتباهي تمامًا في كل مشهد يصور فيه، كانت (هالة) تعمل في تصاميم الملابس والشرقيات، أحببت فكرة أن يمتلك الإنسان مكانًا يستطيع تصميم كل شبرٍ فيه، ويمارس فيه ما يتقنه ويتكسب منه، المتجر كان تعبيرًا عن هوية داخلية لصاحبته في المسلسل، وربما هذا ما سحرني قليلًا؛ هويتي مميزة حد انتقاء مجموعة من الأفراد أن تعبر عنهم، تمامًا كرغبتنا في اقتناء حقيبة شانيل بمبلغ كبير تروج في النهاية لهوية كوكو شانيل.

لكن بعيدًا عن نظرتي الشاعرية للتجارة، في عام 2020 بدت لي  فكرة الحرية المالية، وعدم التقيد بمدير وأنظمة مؤسسة ومواعيد رسمية، والسفر من أجل شراء البضائع، والمخاطرة والتعلم من الخسارة وحتى من الربح مغريات كافية لبدء مشروع صغير، ظلت الفكرة تلح علي سنتان إلى أن بدأت في تنفيذها الشهر الماضي، ما زلت لم أفتتح المتجر؛ ما زال أمامي الكثير من العمل على تصميم الهوية والموقع وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي، لكني أشعر بأنني محظوظة بعض الشيء لأنني دفعت ثمن الطلبية الأولى قبيل الارتفاع المجنون للدولار في مصر بعد التعويم الثاني للعملة، اليوم أنا أبتسم للمرأة الهادئة التي قررت أن تخاطر ولم تخب خطوتها الصغيرة الأولى.
قرأت في مقالة أنه لا يوجد سبب متفق على صحته للبدء في التجارة؛ في الواقع كل الأسباب مهما بدت شخصية، أو واهية هي دوافع صحيحة إن أحسن الإنسان التخطيط لها واستثمار الفرص والاحتمالات المتعلقة بها.
في الواقع العمل الخاص مهم من الناحية النفسية، الحرية في اتخاذ القرارات تنتج بالوقت والأخطاء والتعلم مبدعًا، تبني الشخصية وتصقل الفراسة والقدرة على التعامل مع البشر باختلافاتهم، وتدمج الشخص في أوساطًا تشبهه، وحتى أن العمل الخاص قد يدعم قضية إنسانية ينحاز الإنسان إليها، وفي حالتي؛ ممارسة هواية الربط بين كل ما أعرفه من خلال الهوية البصرية للمتجر، والأهم؛ الشعور بالقدرة والخلق والسلطة المسؤولة وبكوني مبدعة وملهمة؛ تلك مشاعر أحب أن تُسيّر حياتي في الواقع وكشخص يحب أن يضع اعتبارًا للمكاسب النفسية والاجتماعية والخبرات الحياتية بجانب الربح المادي؛ التجارة عمل يناسبني تمامًا.



Comments